*استهداف إسرائيل للقضية الفلسطينية أبعد من اجتثاث "حماس"*

عاجل

الفئة

shadow


 *رضوان عقيل-"النهار"*

لم يعد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة يرمي في اهدافه التي وضعتها حكومة بنيامين نتنياهو الى القضاء على حركة "حماس" واجتثاث مقاومتها عند شعب يحمل جلجلة معاناته المفتوحة منذ اكثر من سبعة عقود وهو يتلقى الضربات تلو الاخرى. ولم يكن مشهد سقوط الاطنان من القنابل فوق منازل الغزاويين ورؤوسهم إلا واحدا من حلقات هذا المسلسل مع سعي تل أبيب واكثر من دولة لتؤدي حلقاته الاخيرة الى نهاية قضية الفلسطينيين. ولا احد ينكر منهم انهم وقعوا طوال الاعوام الماضية في جملة من الخلافات والمآزق ساهمت في عدم توصّلهم الى رؤية واحدة ومنع وحدتهم في وقت لا تنفك منظمة التحرير الفلسطينية عن القول انها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني. واصبح من الواضح ان الارضية لم تعد في ايدي القائمين على مفاتيح حركة "فتح" مع سطوع نجمي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" داخل غزة والضفة الغربية والشتات.
وتلازماً مع حمّامات الدم في غزة تُطرح اسئلة تشغل من يلتقي مع "حماس" أو من يخالفها الرأي بسبب حملها أفكار الاسلام السياسي بعد تجارب فاشلة لهذه المدرسة في اكثر من دولة عربية، وخصوصا بعد تجربة "الاخوان المسلمين" في مصر الذين تسلموا مقاليد السلطة ولم يحسنوا ادارة اكبر دولة عربية.
واذا ما خسرت "حماس"، فما هو انعكاس هذا الامر على القضية الفلسطينية وبلدان الجوار وفي مقدمها لبنان؟ علما ان معطيات المواجهات العسكرية رغم صعوبتها على "كتائب القسام" لا تزال تحافظ على حضورها في ميدان غزة وعدم تمكينها الجيش الاسرائيلي من الدخول بسهولة الى قلب القطاع. من الطبيعي ان يكون لبنان او المتأثرون بانتصار"حماس" او بانتكاستها في هذه المواجهة، في مقدم المسائل التي سيتناولها السيد حسن نصرالله في اطلالته المنتظرة غداً، لأنه بعد الانتهاء من ضرب الجسم العسكري لـ"حماس" سيكون الحزب "الوجبة" الثانية في حسابات نتنياهو ليتخلص وكل من يدعمه من الغرب من "محور المقاومة" من غزة الى صنعاء وما بينهما.
وتثبت الوقائع ان الهدف من الهجوم على غزة هو تصفية القضية الفلسطينية التي لم يتمكن العالم من اطفاء شرارتها رغم كل الدعم الذي تتلقاه اسرائيل التي فقدت كل سطوتها بعد نكسة "7 أكتوبر" وتعرّض وحدات جيشها لسيل من الخسائر والانتكاسات التي لن تخرج منها المؤسسة العسكرية بعد تهشيم صورتها عند الاسرائيليين اولا والعالم. وكان من الواضح ان تل ابيب نجحت في الايام الاولى في ابراز "مظلوميتها" وتعرّضها لأعمال ارهابية لم توفر المدنيين من نساء واطفال. ولم تكن الحكومات الغربية في حاجة الى اعلان وقوفها قولاً وفعلاً الى جانب تل ابيب ، لكن مع وطأة مشاهد المجازر الاسرائيلية في غزة تبدلت الصورة عند الشعوب، ولا سيما منهم الاوروبيين وصولا الى اميركا حيث خرجت عشرات التظاهرات التي رفعت علم فلسطين. ولا يقلل متابعون هنا من هذا التبدل لدى الرأي العام الغربي مع التوقف عند مسألة فاعلة يلفت اليها الرئيس نبيه بري وهي ان عملية غزة وصمود مقاومتها في وجه الاسرائيلي اعادت الروح الى إحياء الحاجز النفسي بين العرب واسرائيل، لان الاخيرة شارفت في محطات عدة على تجاوز هذا الحاجز مع اكثر من دولة عربية.
واذا تمكنت اسرائيل من كبح جماح "حماس" في غزة فستكون جولتها الثانية في الضفة الغربية بغية تأديب الفلسطينيين في اماكن تجمعاتهم لانهم على تماس مع الاسرائيليين ويشكلون مصدر ازعاج يومي في قلب تل ابيب ومدن اخرى ولا سيما في القدس. ويؤكد مَن يؤيد بقاء شوكة المقاومة الفلسطينية او من يعمل على انتزاعها، ان الفلسطينيين قادرون على استبدال قياداتهم، مع ملاحظة ميلهم الى من يحمل راية المقاومة التي توجع الاسرائيلي. ويرى كثيرون منهم في "حماس" ان افعالها تحريرية رغم مشاربها الاسلامية على عكس انطلاقة "فتح" الوطنية حيث لم تسلم الاخيرة الى اليوم من كل ما اقترفته في اوسلو من دون التقليل من حجم المؤامرات ضد الفلسطينيين والتضييق عليهم من انظمة عربية لم تقصّر في التدخل والتلاعب بفصائلهم الى حين بروز "حماس" حيث من غير السهل على تل ابيب القضاء على نواتها العسكرية التي استفادت من اخطاء كل من سبقوها في هذا الحقل. وفي حال تمكن الاسرائيلي منها ستنبت تنظيمات ووجوه فلسطينية اخرى لن تجد سبيلاً امامها إلا خيار المقاومة ومواجهة المحتل في عقر اماكن انتشاره. وثمة من يشبّه حال "حماس" اليوم بوضعية منظمة التحرير عندما اجبرها الاسرائيلي على الخروج من بيروت عقب اجتياح 1982، ومع ذلك بقيت المنظمة واطلقت الانتفاضة الاولى الى ان وقعت في فِخاخ اتفاق اوسلو، مع التوقف اليوم عند حيثية وجود "حماس" وقتالها على ارضها في ظل وجود ظروف عربية واسلامية ودولية تصب في مصلحتها وهي عضو اساسي في محور لا يستهان به. ويبقى ياسر عرفات في مقدم القيادات الفلسطينية إذ نجح في خلق ارفع رمزية له في صفوف مكونه سواء اصاب ام اخطأ، وان في الامكان الاتيان بزعامات من هذا النوع. ويتذكر كثيرون كيف غادر الرجل لبنان مكرهاً تحت العيون الاسرائيلية والاميركية. وعندما ودّع ابو عمار الرئيس صائب سلام كان يذرف الدموع. وفي لحظة توجهه نحو مرفأ بيروت للمغادرة الى تونس كان يردد على مسمع نبيه بري ووليد جنبلاط ومحسن ابرهيم: "سننتصر". تلك الكلمة التي لا تفارق ابناء غزة اليوم.

الناشر

هدى الجمال
هدى الجمال

shadow

أخبار ذات صلة